فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال عمر: من أول نجومه مبادرة إلى الخير.
وقال مالك: من آخر نجم.
وقال بريدة والحسن والنخعي وعكرمة والكلبي والمقاتلان: أمر الناس جميعًا بمواساة المكاتب وإعانته.
وقال زيد بن أسلم: الخطاب لولاة الأمور أن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حقهم وهو الذي تضمنه قوله: {وفي الرقاب}.
وقال صاحب النظم: لو كان المراد بالإيتاء الحط لوجب أن تكون العبارة العربية ضعوا عنهم أو قاصوهم، فلما قال {وآتوهم} دل على أنه من الزكاة إذ هي مناولة وإعطاء، ويؤكده أنه أمر بإعطاء وما أطلق عليه الإعطاء كان سبيله الصدقة.
وقوله: {من مال الله الذي آتاكم} هو ما ثبت ملكه للمالك أمر بإخراج بعضه، ومال الكتابة ليس بدين صحيح لأنه على عبده، والمولى لا يثبت له على عبده دين صحيح، وأيضًا ما آتاه الله هو الذي يحصل في يده ويملكه وما يسقطه عقيب العقد لا يحصل له عليه ملك فلا يستحق الصفة بأنه من مال الله الذي آتاه.
{ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} في صحيح مسلم عن جابر إن جارية لعبد الله بن أُبَيّ يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة كان يكرههما على الزنا، فشكيا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وقيل: كانت له ست معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة جاءته إحداهن ذات يوم بدينار وأخرى ببرد، فقال لهما ارجعا فازنيا، فقالتا: والله لا نفعل ذلك وقد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا، فأتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا فنزلت والفتاة المملوكة وهذا خطاب للجميع، ويؤكد أن يكون {وآتوهم} خطابًا للجميع والنهي عن الإكراه على الزنا مشروط بإرادة التعفف منهن، لأنه لا يمكن الإكراه إلاّ مع إرادة التحصن، أما إذا كانت مريدة للزنا فإنه لا يتصور الإكراه.
وكلمه {إن} وايثارها على إذا إيذان بأن المسافحات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من خبر الشاذ النادر.
وقد ذهب هذا النظر على كثير من المفسرين فقال بعضهم {إن أردن} راجع إلى قوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} وهذا فيه بعد وفصل كثير، وأيضًا فالأيامى يشمل الذكور والإناث، فكان لو أريد هذا المعنى لكان التركيب: إن أرادوا تحصنًا فيغلب المذكر على المؤنث.
وقال بعضهم: هذا الشرط ملغى.
وقال الكرماني: هذا شرط في الظاهر وليس بشرط كقوله: {إن علمتم فيهم خيرًا} ومع أنه وإن كان لم يعلم خيرًا صحت الكتابة.
وقال ابن عيسى: جاء بصيغة الشرط لتفحيش الإكراه على ذلك، وقال: لأنها نزلت على سبب فوقع النهي على تلك الصفة انتهى.
و{عرض الحياة الدنيا} هو ما يكسبنه بالزنا.
وقوله: {فإن الله} جواب للشرط.
والصحيح أن التقدير {غفور رحيم} لهم ليكون جواب الشرط فيه ضمير يعود على من الذين هو اسم الشرط، ويكون ذلك مشروطًا بالتوبة.
ولما غفل الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء عن هذا الحكم قدروا {فإن الله} {غفور رحيم} لهن أي للمكرهات، فعريت جملة جواب الشرط من ضمير يعود على اسم الشرط.
وقد ضعف ما قلناه أبو عبد الله الرازي فقال: فيه وجهان أحدهما: فإن الله غفور رحيم لهنّ لأن الإكراه يزيل الإثم والعقوبة من المكره فيما فعل، والثاني: فإن الله غفور رحيم للمكره بشرط التوبة، وهذا ضعيف لأنه على التفسير الأول لا حاجة لهذا الإضمار.
وعلى الثاني يحتاج إليه انتهى.
وكلامهم كلام من لم يمعن في لسان العرب.
فإن قلت: قوله: {إكراههن} مصدر أضيف إلى المفعول والفاعل مع المصدر محذوف، والمحذوف كالملفوظ والتقدير من بعد إكراههم إياهنّ والربط يحصل بهذا المحذوف المقدر فلتجز المسألة قلت: لم يعدوا في الروابط الفاعل المحذوف، تقول: هند عجبت من ضربها زيدًا فتجوز المسألة، ولو قلت هند عجبت من ضرب زيدًا لم تجز.
ولما قدر الزمخشري في أحد تقدير أنه لهن أورد سؤالًا فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن لأن المكرهة على الزنا بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو من ضرب عنيف وغيره حتى يسلم من الإثم، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة انتهى.
وهذا السؤال والجواب مبنيان على تقدير لهنّ.
وقرأ {مبينات} بفتح الياء الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر أي بيَّن الله في هذه السورة وأوضح آيات تضمنت أحكامًا وحدودًا وفرائض، فتلك الآيات هي المبينة، ويجوز أن يكون المراد مبينًا فيها ثم اتسع فيكون المبين في الحقيقة غيرها.
وهي ظرف للمبين.
وقرأ باقي السبعة والحسن وطلحة والأعمش بكسر الياء، فإما أن تكون متعدية أي {مبينات} غيرها من الأحكام والحدود، فأسند ذلك إليها مجازًا، وإما أن تكون لا تتعدى أي بينات في نفسها لا تحتاج إلى موضح بل هي واضحة لقولهم في المثل.
قد بيَّن الصبح لذي عينين.
أي قد ظهر ووضح.
وقوله: {ومثلًا} معطوف على آيات، فيحتمل أن يكون المعنى {ومثلًا} من أمثال الذين من قبلكم، أي قصة غريبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم في براءتهما لبراءة من رميت بحديث الإفك لينظروا قدرة الله في خلقه وصنعه فيه فيعتبروا.
وقال الضحاك: والمراد بالمثل ما في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود، فأنزل في القرآن مثله.
وقال مقاتل: أي شبهًا من حالهم في تكذيب الرسل أي بينا لكم ما أحللنا بهم من العذاب لتمردهم، فجعلنا ذلك مثلًا لكم لتعلموا أنكم إذا شاركتموهم في المعصية كنتم مثلهم في استحقاق العقاب.
{وموعظة للمتقين} أي ما وعظ في الآيات والمثل من نحو قوله: {ولا تأخذكم بهما رأفة} {ولولا إذ سمعتموه} .قال أبو السعود:

{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}.
بعدما زَجر تعالى عن السِّفاحِ ومباديه القريبةِ والبعيدةِ أمرَ بالنِّكاحِ فإنَّه مع كونهِ مقصُودًا بالذَّات من حيثُ كونُه مناطًا لبقاء النَّوعِ خيرُ مزجرةٍ عن ذلك. وأيامى مقلوبُ أيَايم جمعُ أيِّم وهو مَن لا زوجَ له من الرِّجالِ والنِّساءِ بكرًا كان أو ثيِّبًا كما يُفصح عنه قولُ من قالَ:
فإنْ تَنْكحِي أنكِحْ وإنْ تتأيَّمي ** وإنْ كُنتُ أفتى مِنكُم أتأيَّمِ

أي زَوِّجُوا مَن لا زوجَ له مِن الأحرارِ والحَرَائرِ {والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} على أنَّ الخطابَ للأولياءِ والسَّاداتِ. واعتبارُ الصَّلاحِ في الأرقَّاءِ لأنَّ من لا صلاحَ له منهم بمعزلٍ مَن أنْ يكون خَليقًا بأن يعتني مولاه بشأنه ويُشفق عليه ويتكلَّفُ في نظمِ مصالحهِ بما لابد منه شَرعًا وعادةً من بذل المالِ والمنافعِ، بل حقُّه أنْ لا يستبقيَه عنده وأمَّا عدمُ اعتبار الصَّلاحِ في الأحرارِ والحرائرِ فلأنَّ الغالبَ فيهم الصَّلاحُ على أنَّهم مُستبدُّون في التَّصرفاتِ المتعلِّقةِ بأنفسهِم وأموالهم فإذا عزمُوا النِّكاحَ فلابد من مساعدةِ الأولياءِ لهم إذ ليسَ عليهم في ذلك غرامةٌ حتَّى يُعتبر في مقابلتها غنيمةٌ عائدةٌ إليهم عاجلةً أو آجلةً. وقيل المرادُ هو الصَّلاحُ للنِّكاحِ والقيامِ بحقوقهِ {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} إزاحةً لما عسى يكونُ وازعًا من النِّكاحِ من فقرِ أحدِ الجانبينِ أي لا يمنعنَّ فقرُ الخاطبِ أو المخطوبةِ من المُناكحةِ فإنَّ في فضل اللَّهِ عزَّ وجلَّ غُنيةً عن المالِ فإنَّه غادٍ ورائحٌ يرزق مَن يشاء مِن حيثُ لا يحتسبُ أو وعدٌ منه سبحانه بالإغناءِ لقوله عليه الصلاة والسلام: «اطلبُوا الغِنى في هذه الآيةِ» لكنَّه مشروطٌ بالمشيئةِ كما في قولهِ تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَاء} {والله واسع} غنيٌّ ذُو سَعةٍ لا يرزؤُه إغناءُ الخلائقِ إذْ لا نفادَ لنعمتهِ ولا غايةَ لقدُرتهِ ومع ذلك {عَلِيمٌ} يبسطُ الرِّزقَ لمن يشاءُ ويقدرُ حسبما تقتضيهِ الحكمةُ والمصلحةُ.
{وَلْيَسْتَعْفِفِ} إرشادٌ للعاجزينَ عن مبادِي النِّكاحِ وأسبابِها إلى ما هُو أولى لهم وأحْرى بهم بعدَ بيانِ جوازِ مُناكحةِ الفُقراءِ أي ليجتهدْ في العِفَّةِ وقمعِ الشَّهوةِ {الذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا} أي أسبابَ نكاحٍ أو لا يتمكَّنون ممَّا يُنكح به من المالِ {حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} عدةٌ كريمةٌ بالتَّفضلِ عليهم بالغِنى ولطفٌ لهم في استعفافِهم وتقويةٌ لقلوبهم وإيذانٌ بأنَّ فضلَه تعالى أولى بالإعفاءِ وأدنى من الصُّلحاءِ {والذين يَبْتَغُونَ الكتاب} بعدما أمرَ بإنكاحِ صَالحي المماليك الأحقَّاءِ بالإنكاح أمرَ بكتابة مَن يستحقُّها منهم. والكتابُ مصدر كاتبَ كالمُكاتبة أي الذين يطلبون المُكاتبةَ {مِمَّا مَلَكَتْ أيمانكم} عبدًا كان أو أمةً وهي أنْ يقولَ المولى لمملوكه كاتبتُك على كذا درهمًا تؤدِّيه إليَّ وتعتق، ويقول المملوكُ قبلتُه أو نحوَ ذلك فإنْ أدَّاه إليه عتق قالوا معناه كتبتُ لك على نفسي أنْ تعتق منِّي إذا وفَّيت بالمال وكتبت لي على نفسك أنْ تفيَ بذلك أو كتبت عليك الوفاءَ بالمال وكتبتُ عليَّ العتقَ عنده، والتَّحقيقُ أنَّ المكاتبةَ اسمٌ للعقد الحاصل من مجموع كلاميهما كسائر العُقودِ الشَّرعيَّةِ المُنعقدةِ بالإيجاب والقبولِ. ولا ريبَ في أنَّ ذلك لا يصدرُ حقيقةً إلا من المتعاقدين وليس وظيفةُ كلِّ منهما في الحقيقةِ إلا الإتيانَ بأحدث شطريه مُعربًا عمَّا يتمُّ من قِبله ويصدر عنه من الفعلِ الخاصِّ به من غير تعرُّضٍ لما يتمُّ من قبل صاحبه ويصدر عنه من فعله الخاصِّ به إلاَّ أنَّ كلًا من ذينكَ الفعلينِ لما كان بحيثُ لا يمكن تحقُّقه في نفسهِ إلا منوطًا بتحقُّقِ الآخرِ ضرورةَ أنَّ التزامَ العتقِ بمقابلة البدلِ من جهة المولى لا يُتصور تحقُّقه وتحصُّله إلا بالتزام البدل من طرف العبد كما أنَّ عقدَ البيع الذي هو تمليك المَبيعِ بالثَّمن من جهة البائعِ لا يُمكن تحقُّقه إلا بتملُّكه به من جانب المُشتري لم يكن بدٌّ من تضمينِ أحدهِما الآخر وقت الإنشاء فكما أنَّ قول البائع بعتُ إنشاءٌ لعقد البيع على معنى أنَّه إيقاعٌ لما يتمُّ من قبله أصالةً ولما يتمُّ من قبل المُشتري ضمنًا إيقاعًا متوقفًا على رأيهِ توقفًا شبيهًا بتوقُّفِ عقد الفضوليِّ كذلك قولُ المولى كاتبتُك على كذا إنشاء لعقدِ الكتابةِ أي إيقاعٌ لما يتمُّ من قبله من التزام العتقِ بمقابلة البدلِ أصالةً ولما يتمُّ من قبلِ العبدِ من التزامِ البدلِ ضمنًا إيقاعًا متوقِّفًا على قبوله فإذا قُبل تمَّ العقدُ، ومحل الموصولِ الرَّفعُ على الابتداء خبرُه {فكاتبوهم} والفاءُ لتضمُّنهِ معنى الشَّرطِ أو النَّصبُ على أنَّه مفعولٌ لمضمرٍ يفسِّره هذا والأمر فيه للنَّدب لأنَّ الكتابة عقدٌ يتضمَّن الإرفاقَ فلا تجبُ كغيرِها ويجوزُ حالًا ومؤجَّلًا ومنجَّمًا وغيرَ منجَّمٍ.
وعند الشَّافعيِّ رحمه الله لا يجوزُ إلا مؤجَّلًا منجَّمًا وقد فُصِّل في موضعه {إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} أي أمانةً ورُشدًا وقدرة على أداء البدلِ بتحصيله من وجهٍ حلالٍ وصلاحًا لا يؤذي النَّاسَ بعد العتق وإطلاق العَنَانِ.
{وَءَاتُوهُم مِن مَّالِ الله الذي ءاتاكم} أمرٌ للموالي ببذل شيءٍ من أموالهم وفي حكمه حطُّ شيء من مال الكتابة ويكفي في ذلك أقلُّ ما يُتموَّل. وعن عليَ رضي الله عنه: حطُّ الرُّبع وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: الثُّلثُ. وهو للنَّدبِ عندنا وعند الشافعيِّ للوجوبِ ويردُّه قولُه عليه الصَّلاة والسَّلام: «المُكاتَبُ عبدٌ ما بقي عليه درهمٌ». إذ لو وجب الحطُّ لسقط عنه الباقي حتمًا وأيضًا لو وَجَب الحطُّ لكان وجوبُه معلَّقًا بالعقد فيكون العقد مُوجِبًا ومُسقِطًا معًا وأيضًا فهو عقدُ مُعاوضةٍ فلا يُجبر على الحَطيطةِ كالبيع وقيل معنى آتُوهم أقرِضُوهم وقيل هو أمرٌ لهم بأنْ يُنفقوا عليهم بعد أنْ يؤدُّوا ويعتقوا. وإضافةُ المال إليه تعالى ووصْفُه بإيتائه إيَّاهم للحثِّ على الامتثال بالأمر بتحقيق المأمور به كما في قوله تعالى: {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} فإنَّ ملاحظة وصولِ المال إليهم من جهته تعالى مع كونه هو المالكَ الحقيقيَّ له من أقوى الدَّواعي إلى صرفه إلى الجهة المأمور بها وقيل هو أمرٌ بإعطاءِ سهمهِم من الصَّدقات، فالأمرُ للوجوبِ حَتْمًا والإضافةُ والوصفُ لتعيين المأخذِ وقيل هو أمرُ ندبٍ لعامَّة المسلمين بإعانة المُكاتبين بالتَّصدق عليهم، ويحلُّ ذلك للمولى وإنْ كان غنيًّا لتبدل العُنوان حسبما ينطقُ به قولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حديثِ بَريرةَ: «هو لها صدقةٌ ولنا هديَّةٌ». {وَلاَ تُكْرِهُواْ فتياتكم} أي إماءكم فإنَّ كُلاَّ من الفَتَى والفَتاةِ كنايةٌ مشهورةٌ عن العبدِ والأمَةِ وعلى ذلك مبنيٌّ قولُه عليه الصَّلاة والسَّلام: «ليقُلْ أحدُكم فتاي وفتاتي ولا يقُل عبدي وأمَتي» ولهذه العبارةِ في هذا المقامِ باعتبار مفهومِها الأصلي حسنُ موقعٍ ومزيدُ مناسبةٍ لقولهِ تعالى: {عَلَى البغاء} وهو الزِّنا من حيثُ صدورُه عن النساءِ لأنهنَّ اللاَّتي يُتوقَّع منهنَّ ذلك غالبًا دُون مَن عداهنَّ من العجائزِ والصَّغائرِ. وقولُه تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} ليس لتخصيص النَّهي بصورة إرادتهِنَّ التَّعففَ عن الزِّنا وإخراجِ ما عداها من حُكمه كما إذا كان الإكراه بسبب كراهتهنَّ الزِّنا لخصوصِ الزَّاني أو لخصوصِ الزَّمانِ أو لخصوصِ المكانِ أو لغيرِ ذلكَ من الأُمور المُصحِّحةِ للإكراه في الجُملةِ بل للمحافظةِ على عادتهم المستمرَّة حيثُ كانُوا يكرهونهنَّ على البغاء وهنَّ يُردن التَّعففَ عنه مع وفورِ شهوتهنَّ الآمرةِ بالفُجورِ وقصورهنَّ في معرفةِ الأمورِ الدَّاعيةِ إلى المحاسنِ الزَّاجرةِ عن تَعَاطي القبائحِ فإنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ أُبيَ كانت له ستُّ جوارٍ يُكرههنَّ على الزِّنا وضربَ عليهنَّ ضرائبَ فشكتِ اثنتانِ منهنَّ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فنزلتْ.